فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عادل:

قوله تعالى: {وَلاَ تؤمنوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} نقل ابنُ عطيّة الإجماع من أهل التأويل على أن هذا من مقول الطائفة، وليس بسديد، لما نقل من الخلاف، وهل هي من مقول الطائفة أم من مقول الله تعالى- على معنى أن الله- تعالى- خاطب به المؤمنين، تثبيتًا لقلوبهم، وتسكينًا لجأشهم؛ لئلا يشكُّوا عند تلبيس اليهودِ عليهم وتزويرهم؟
إذا كان من كلامِ طائفةِ اليهودِ، فالظاهر أنه انقطع كلامُهم؛ إذ لا خلاف، ولا شك أن قوله: {وَلاَ تؤمنوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} من كلام الله مخاطبًا لنبيه صلى الله عليه وسلم. اهـ.
قال ابن عادل:
اللام في {لِمَنْ} فيها وجهان:
أحدهما: أنها زائدة مؤكِّدة، كهي في قوله تعالى: {قُلْ عسى أن يكون رَدِفَ لَكُم} [النمل: 72] أي: ردفكم وقول الآخر: [الوافر]
فَلَمَّا أنْ تَوَاقَفْنَا قَلِيلًا ** أنَخْنَا لِلْكَلاَكِلِ فَارْتَميْنَا

وقول الآخر: [الكامل]
مَا كُنْتُ أخْدَعُ لِلْخَلِيلِ بِخُلَّةٍ ** حَتَّى يَكُونَ لِيَ الْخَلِيلُ خَدُوعَا

وقول الآخر: [الطويل]
يَذُمُّونَ لِلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْلِبُونَهَا ** أفَاوِيقَ حَتَّى ما يَدِرُّ لَهَا فَضْلُ

أي: أنخنا الكلاكِلَ، وأخدع الخليل، ويذمون الدنيا، ويُرْوَى: يذمون بالدنيا، بالباء.
قال شهابُ الدينِ: وأظن البيتَ: يذمون لِي الدنيا- فاشتبه اللفظ على السامع- وكذا رأيته في بعض التفاسيرِ، وهذا الوجه ليس بالقوي.
الثاني: أن {آمن} ضُمِّن معنى أقَرَّ واعْتَرَف، فعُدِّيَ باللام، أي: ولا تُقِرّوا، ولا تعترفوا إلا لمن تبع دينكم، ونحوه قوله: {فَمَا آمَنَ لموسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ} [يونس: 83] وقوله: {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا} [يوسف: 17] وقال أبو علي: وقد يتعدَّى آمن باللام في قوله: {فَمَا آمَنَ لموسى} [يونس: 83]، وقوله: {آمَنتُمْ لَهُ} [طه: 71]، وقوله: {يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 61] فذكر أنه يتعدى بها من غير تضمين، والصَّوَابُ التضمين وقد تقدم تحقيقه أول البقرة. وهنا استثناء مُفَرَّغٌ.
وقال أبو البقاء: {إِلاَّ لِمَن تَبِعَ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه استثناء مما قبلَه، والتقديرُ: ولا تَقرُّوا إلا لمن تبع، فعلى هذا اللام غير زائدة ولا يجوز أن تكون زائدة ويكون محمولًا على المعنى، أي اجْحَدوا كُلَّ أحد إلا من تبع دينكم.
والثاني: أن النية به التأخير، والتقدير: ولا تُصَدِّقُوا أن يؤتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم؛ فاللام على هذا- زائدة، و{مَنْ} في موضع نصب على الاستثناء من أحد.
وقال الفارسيُّ: الإيمان لا يتعدى إلى مفعولين، فلا يتعلق- أيضا- بجارين، وقد تعلَّق بالجار المحذوف من قوله: {أَن يؤتى} فلا يتعلق باللام في قوله: {لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} إلا أن يحمل اللام على معناه، فيتعدى إلى مفعولين، ويكون المعنى: ولا تُقِرُّوا بأن يُتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينَكم، كما تقول: أقررت لزيد بألفٍ، فتكون اللام متعلقة بالمعنى، ولا تكون زائدة على حد: {رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: 72] و{إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] وهذا تَصْرِيحٌ من أبي علي بأنه ضمن {آمن} معنى أقَرَّ. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ}:

.قال الفخر:

أما قوله: {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ} فهو عطف على أن يؤتى، والضمير في يحاجوكم لأحد، لأنه في معنى الجمع بمعنى ولا تؤمنوا لغير أتباعكم، إن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند الله بالحجة، وعندي أن هذا التفسير ضعيف، وبيانه من وجوه:
الأول: إن جد القوم في حفظ أتباعهم عن قبول دين محمد عليه السلام كان أعظم من جدهم في حفظ غير أتباعهم وأشياعهم عنه، فكيف يليق أن يوصي بعضهم بعضًا بالإقرار بما يدل على صحة دين محمد صلى الله عليه وسلم عند أتباعهم وأشياعهم، وأن يمتنعوا من ذلك عند الأجانب؟ هذا في غاية البعد.
الثاني: أن على هذا التقدير يختل النظم ويقع فيه تقديم وتأخير لا يليق بكلام الفصحاء.
والثالث: إن على هذا التقدير لابد من الحذف فإن التقدير: قبل إن الهدى هدى الله وإن الفضل بيد الله، ولابد من حذف {قُلْ} في قوله: {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله}.
الرابع: أنه كيف وقع قوله: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} فيما بين جزأى كلام واحد؟ فإن هذا في غاية البعد عن الكلام المستقيم، قال القفال: يحتمل أن يكون قوله: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} كلام أمر الله نبيه أن يقوله عند انتهاء الحكاية عن اليهود إلى هذا الموضع لأنه لما حكى عنهم في هذا الموضع قولًا باطلًا لا جرم أدب رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقابله بقول حق، ثم يعود إلى حكاية تمام كلامهم كما إذا حكى المسلم عن بعض الكفار قولًا فيه كفر، فيقول: عند بلوغه إلى تلك الكلمة آمنت بالله، أو يقول لا إله إلا الله، أو يقول تعالى الله ثم يعود إلى تمام الحكاية فيكون قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} من هذا الباب، ثم أتى بعده بتمام قول اليهود إلى قوله: {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ} ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمحاجتهم في هذا وتنبيههم على بطلان قولهم، فقيل له {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله} إلى آخر الآية. اهـ.

.قال ابن عادل:

اختلف الناس في هذه الآية على وجوه:
الأول: أن قوله: {أَن يؤتى أَحَدٌ} متعلق بقوله: {وَلاَ تؤمنوا} على حذف حرف الجر، والأصل: ولا تُؤْمِنُوا بأن يُؤتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، فلما حُذِفَ حرف الجر جرى الخلافُ المشهور بين الخليل وسيبويه في محل أن، ويكون قوله: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} جملةً اعتراضيةً.
قال القفّالُ: يحتمل أن يكون قوله: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} كلامًا أمر اللهُ نبيه أن يقولَه عند انتهاء الحكاية عن اليهود إلى هذا الموضع؛ لأنه لما حكى عنهم في هذا الموضع قولًا باطلًا- لا جرم- أدب الله رسوله بأن يقابله بقول حَقِّ، ثم يعود إلى حكايةِ تمامِ كلامِهم- كما إذا حكى المسلم عن بعضِ الكُفَّار قَوْلًا فيه كُفْر، فيقول- عند بلوغه إلى تلك الكلمة-: آمنت بالله، أو يقول: لا إله إلا اللهُ، أو يقول: تعالى الله عن ذلك، ثم يعود إلى تمام الحكاية، فيكون قوله: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} من هذا الباب.
قال الزمخشريُّ في تقرير هذا الوجه- وبه بدأ-: {وَلاَ تؤمنوا} مُتَعَلِّقٌ بقوله: {أَن يؤتى أَحَدٌ} وما بينهما اعتراضٌ، أي: ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم، وأسِرُّوا تصديقكُمْ بأن المسلمين قد أوتوا مثل ما أوتيتم، ولا تُفْشُوه إلا لأشياعكم- وحدهم- دون المسلمين؛ لئلاَّ يزيدَهم ثباتًا، ودون المشركين، لئلا يدعوهم إلى الإسلام.
{أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ} عطف على {أَن يؤتى} والضمير في {يُحَاجُّوكُمْ} لـ {أَحَدٌ} لأنه في معنى الجميع، بمعنى: ولا تؤمنوا لغير أتباعكم بأن المسلمين يحاجونكم عند ربكم بالحق، ويغالبونكم عَنْدَ اللهِ- تعالى- بالحُجَّةِ.
فإن قلت: ما معنى الاعتراضِ؟
قلت: معناه: إن الهدَى هُدى الله، من شاء يَلْطُف به حتى يُسلم، أو يزيد ثباتًا، ولم ينفع كيدكم وحِيَلُكم، وذَبُّكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين، وكذلك قوله: {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} يريد الهداية والتوفيق.
قال شهاب الدينِ: وهذا كلامٌ حسَنٌ، لولا ما يُريد بباطنه، وعلى هذا يكون قوله: {إِلاَّ لِمَن تَبِعَ} مستثْنَى من شيء محذوفٍ، تقديره: ولا تُؤمنوا بأن يُؤتَى أحد مل ما أوتيتم لأحد من الناس إلا لأشياعكم دون غيرهم، وتكون هذه الجملة- أعني قوله: {وَلاَ تؤمنوا} من كلام الطَّائِفَةِ المتقدمة، أي وقالت طائفةٌ كذا، وقالت أيضا: ولا تؤمنوا، وتكون الجملة من قوله: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} من كلام اللهِ لا غير.
قال ابن الخطيبِ: وعندي أن هذا التفسير ضعيف من وُجُوهٍ:
الأول: أن جدَّ القوم في حفظ أتباعهم عن قبول دين محمَّد صلى الله عليه وسلم كان أعظمَ من جدهم في حفظِ غير أتباعهم عنه، فكيف يليق أن يوصِيَ بعضُهم بعضًا بالإقرار بما يدل على صحة دين محمَّد صلى الله عليه وسلم عند أتباعهم، وأشياعهم، وأن يمتنعوا من ذلك عند الأجانب؟ هذا في غاية البعد.
الثاني: أن على هذا التقدير لابد من الحَذْف؛ فإن التقدير: قل إن الهُدَى هُدَى اللهِ، وإنّ الفَضْلَ بِيَدِ اللهِ، وَلابد مِنْ حَذْفِ قَلْ في قوله: {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله}.
الثالث: أنه كيف وقع قوله: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} فيما بين جزأي كلام واحد؟ هذا في غاية البعد عن الكلام المستقيم.
الوجه الثاني: أن اللام زائدة في {لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} وهو مستثنى من {أحَدٌ} المتأخِّر، والتقدير: ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا مَنْ تَبعَ دينَكُمْ، فـ {لِمَنْ تَبِعَ} منصوب على الاستثناء من {أحد}، وعلى هذا الوجه جوَّز أبو البقاء في محل {أَن يؤتى} ثلاثة أوجهٍ:
الأول والثاني: مذهب الخليل وسيبويه، وقد تَقَدَّمَا.
الثالث: النصب على المفعول من أجله، تقديره: مخافةَ أن يُؤتَى.
وهذا الوجه الثالث- لا يصح من جهة المعنى، ولا من جهة الصناعة، أمّا المعنى فواضحٌ وأما الصناعة فإن فيه تقديم المستثنى على المستثنى منه، وعلى عامله، وفيه- أيضا- تقديم ما في صلة أن عليها، وهو غير جائزٍ.
الوجه الثالث: أن يكون {أَن يؤتى} مجرورًا بحرف العلة- وهو اللام- والمُعَلَّل محذوف، تقديره لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك، ودبَّرتموه، لا لشيء آخرَ، وقوله: {إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} معناه: ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهرَ- وهو إيمانكم وَجْهَ النَّهَارِ- {إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ}، إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم؛ لأن رجوعَهم كان أرْجَى عندهم من رجوع من سواهم، ولأن إسلامَهم كان أغبط لهم، وقوله: {إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} معناه: لأن يؤتى مثل ما أوتيتُمْ قلتم ذلك، ودبرتموه، لا لشيء آخرَ، يعني أن ما بكم من الحسد والبغي، أن يؤتى أحَدٌ مثل ما أوتيتم من فَضْل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قُلْتُم ما قلتم، والدليل عليه قراءة ابن كثير: أأنْ يُؤتَى أحَدٌ؟- بزيادة همزة الاستفهامِ، والتقرير، والتوبيخ- بمعنى: ألأن يؤتى أحَدٌ؟
فإن قلت: ما معنى قوله: {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ} على هذا؟
قلت: معناه: دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ولما يتصل به عند كفركم به في محاجتهم لكم عند ربكم.
الوجه الرابع: أن ينتصب {أَن يؤتى} بفعل مقدَّرٍ، يدل عليه: {وَلاَ تؤمنوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} إنكار لأن يؤتى أحد مثل ما أوتُوا.
قال أبو حيّان: وهذا بعيد؛ لأنه فيه حذفَ حرف النهي وحذفَ معموله، ولم يُحْفظ ذلك من لسانهم.
قال شهاب الدين: متى دلَّ على العامل دليلٌ جاز حَذْفُه على أي حالةٍ كان.
الوجه الخامس: أن يكون {هُدَى الله} بدلًا من {الْهُدَى} الذي هو اسم إنَّ ويكون خبر {أَن يؤتى أَحَدٌ}، قُلْ إنَّ هدى الله أن يؤتى أحد، أي إن هدى الله آتيًا أحدًا مثل ما أوتيتم، ويكون {أوْ} بمعنى حتى، والمعنى: حتى يحاجوكم عند ربكم، فيغلبوكم ويدحضوا حُجَّتَكم عند الله، ولا يكون {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ} معطوفًا على {أَن يؤتى} وداخلًا في خبر إن.
الوجه السادس: أن يكون {أَن يؤتى} بدلًا من {هُدَى الله} ويكون المعنى: قُلْ بأن الهدى هدى الله، وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن، ويكون قوله: {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ} بمعنى فليحاجوكم، فإنهم يغلبونكم، قال ابنُ عطية: وفيه نظرٌ؛ لأن يؤدي إلى حذف حرف النهي وإبقاء عمله.
الوجه السابع: أن تكون لا النافية مقدَّرة قبل {أَن يؤتى} فحذفت؛ لدلالة الكلام عليها، وتكون {أو} بمعنى إلاَّ أن والتقدير: ولا تؤمنوا لأحد بشيء إلا لمن تبع دينَكم بانتفاء أن يؤتى أحَدٌ مثل ما أوتيتم إلا من تَبع دينَكُمْ، وجاء بمثله، فإن ذلك لا يؤتى به غيركم إلا أن يحاجوكم، كقولك: لألزمنك أو تقضيني حقي.
وفيه ضعف من حيث حذف لا النافية، وما ذكروه من دلالة الكلامِ عليها غير ظاهر.
الوجه الثامن: أن يكون {أَن يؤتى} مفعولًا من أجله، وتحرير هذا القول أن يجعل قوله: {أَن يؤتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ} ليس داخلًا تحت قوله: {قل} بل هو من تمام قول الطائفة، متصل بقوله: ولا تؤمنوا إلا لمن جاء بمثل دينكم مخافةَ أن يؤتى أحد من النُّبُوَّة والكرامة مثل ما أوتيتم، ومخافةَ أن يُحاجُّوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم تستمروا عليه، وهذا القولُ منهم ثمرة حسدهم وكُفْرهم- مع معرفتهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما قدر المُبردُ المفعول من أجله- هنا- قدر المضاف: كراهة أن يُؤتَى أحد مثل ما أوتيتم، أي: مما خالف دينَ الإسلام؛ لأن اللهَ لا يهدي من هو كاذبٌ كَفَّار، فهُدَى الله بعيد من غير المؤمنين والخطاب في {أُوتِيتُمْ} و{يُحَاجُّوكُمْ} لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
واستضعف بعضُهم هذا، وقال: كونه مفعولًا من أجْلهِ- على تقدير: كراهة- يحتاج إلى تقدير عامل فيه ويصعُب تقديره؛ إذ قبله جملة لا يظهر تعليل النسبة فيها، بكراهة الإيتاء المذكور.
الوجه التاسع: أن أنْ المفتوحة تأتي للنفي- كما تأتي لا، نقله بعضهم أيضا عن الفراء، وجعلَ أو بمعنى إلا، والتقدير: لا يُؤتَى أحد ما أوتيتم إلا أن يحاجُّوكم، فإن إيتاءه ما أوتيتم مقرون بمغالبتكم أو محاجتكم عند ربكم؛ لأن من آتاه الله الوحي لابد أن يحاجهم عند ربهم- في كونهم لا يتبعونه- فقوله: {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ} حالٌ لازمةٌ من جهة المعنى؛ إذ لا يوحي اللهُ لرسولٍ إلا وهو يُحاجُّ مخالفيه. وهذا قول ساقطٌ؛ إذْ لم يثبت ذلك من لسان العربِ. اهـ.

.قال الماوردي:

واختلف في سبب نهيهم أن يؤمنوا إلا لِمَنْ تَبعَ دينهم على قولين:
أحدهما: أنهم نُهُوا عن ذلك لِئَلًا يكون طريقًا لعبدة الأوثان إلى تصديقه، وهذا قول الزجاج.
والثاني: أنهم نُهُوا عن ذلك لِئَلاَّ يعترفوا به فيلزمهم العمل بدينه لإقرارهم بصحته. اهـ.
فصل:
{أحد} يجوز أن تكون- في الآية الكريمة- من الأسماء الملازمةِ للنفي، وأن تكون بمعنى واحد والفرق بينهما أن الملازمة للنفي همزته أصلية، والذي لا يلزم النفي همزته بدل من واو فعلى جعله ملازمًا للنفي يظهر عود الضمير عليه جمعًا؛ اعتبارًا بمعناه؛ إذ المراد به العموم، وعليه قوله: {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 47]- جمع الخبر لما كان {أحَدٌ} في معنى الجميع- وعلى جعله غير اللازم للنفي يكون جمع الضمير في {يُحَاجُّوكُمْ} باعتبار الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعِه.
وبعض الأوجه المتقدمة يصح أن يجعل فيها {أحد} المذكور الملازم للنفي، وذلك إذا كان الكلام على معنى الجَحْد، وإذا كان الكلام على معنى الثبوت- كما مَرَّ في بعض الوجوه فيمتنع جعفُه الملازم للنفي. والأمر واضح مما تقدم. اهـ.